كويكب، مذنب، ام ماذا احرق الارض في تونغوسكا؟
باكراً في صباح الثلاثين من حزيران (يونيو) من العام 1908، شاهد الفلاحون في إحدى قرى سيبيريا شيئاً يلمع بشكل ساطع جداً في كبد السماء بحيث تعذّر التحديق إليه بالعين المجردة، وعند الأفق ظهرت في اتجاه الجسم المضيء نفسه غيمة سوداء صغيرة، وعندما اقترب الجسم الساطع من الارض، بدا وكأنه انشق إلى غبار، وتكونت مكانه غيمة كبيرة من الدخان الاسود. وسمع انفجار مدو، كما لو انه ناجم عن انهيار صخور كبرة، فارتجفت الابنية، واندفع بقوة لسان متشعب من اللهيب نحو الاعلى عبر الغيمة. فهرع القرويون نحو الطرقات مرعوبين، واجهشت النساء المسنات بالبكاء، فقد اعتقد الجميع ان نهاية العالم قد أتت.
ماذا حدث في تونغوسكا؟
لمدة 97 عاماً طرح لغز تونغوسكا الغامض عشرات النظريات بدا بعضها معقولا ومقبولاً كإصطدام مذنب بالارض وبعضها الاخر غير منطقي كأنفجار سفينة فضائية أو طبق طائرة فوق المنطقة.
والغريب ان أولى البعثات العلمية الروسية لا ستبيان ما حدث نظمت بعد نحو 19 عاماً على الحادثة!
ولم يغامر العلماء في استكشاف المنطقة المنكوبة إذ ترددوا في الذهاب إلى منطقة مليئة بالمستنقعات وبعيدة جداً، وفي نهاية الامر عندما وصلوا اليها اذهلهم منظر الدمار الشاسع الذي شاهدوه، إذ كانت الاشجار المتفحمة ملقاة في صفوف على امتداد الأفق. وبحثوا دون جدوى عن فوهة بركانية في المنطقة محاولين العثور على شظايا نيزك او كويكب او جرم فضائي ولكنهم لم يعثروا على شيء.
ويذكر الجيولوجي ليونيد كوليك (Leonid Kulik) من الأكاديمية السوفياتية للعلوم" الذي كان أول من زار الموقع في العام 1927 أن شهود عيان في قرى مجاورة تحدثوا عن مشاهدتهم لكرة نارية تخترق صفحة السماء بضجيج مرعب اعقبها انفجار دفع الناس إلى القفز مذعورين.
وفهم كوليك بان شيئاً غير مسبوق قد حدث في المنطقة وكانت الاشجار هي الدليل الوحيد على حدوثه.
وخلال السنوات الاربع عشرة اللاحقة للانفجار ارسلت 4 بعثات استكشاف اخرى إلى تونغوسكا برئاسة كوليك، وصوّرت الاشجار المسواة بالارض وجرى البحث داخل المستنقعات والبرك المائية عن شظايا النيزك دون جدوى ومن بين عشرات الشهادات التي تم تسجيلها ظهرت روايات متناقضة. فقد أكد تقريباً نصف الشهود انهم شاهدوا كرة نارية تحترق شمالاً، في حين أكد آخرون بأنها سارت عبر مسرب غربي أو شمالي غربي، وعلى الرغم من هذا التناقض بدا كوليك مقتنعاً بان نيزكا هو الذي تشبب بهذا الدمار.
ومات كوليك في العام 1942 كسجين حرب وتوقفت البعثات الاستكشافية. ولم يزر احد المنطقة حتى أواخر الاربعينيات حين قدم الكسندر كازانتسيف (Alexander Kazantsev)، وهو مهندس من الجيش الروسي، قصة قصيرة في العام 1946 افترض فيها انه لا يمكن ان يكون هذا الدمار الشامل من فعل نيزك ولكنه تم بسبب انفجار نووي، وبما ان الإنسان لم يكن عام 1908 قد توصل إلى التفجير النووي فلا بد ان يكون السبب سفينة فضائية او طبق طائر متفجر. أعيد نشر هذه القصة في الاتحاد السوفياتي مرات عدة وحاول علماء سيبيريا الشبان التثبت من صحة هذه النظرية التي وضععت في كتاب جمل عنوان "ضيف من الفضاء A" Visitor from Outer Space) وتوقعوا حل هذا اللغز في غضون عامين ولكنهم كانوا مخطئين. وتم إرسال بعثتين علميتين إلى المنطقة في عامي 1959 و 1960، بهدف البحث عن دليل الارتفاع المستوى الاشعاعي وتنقيب الموقع بحثاً عن شظايا شهاب متفجر دون ان يتم العثور على اي دليل مادي، ما دفع العلماء إلى الافتراض بان المسألة اعقد مما يتصورون، وظل الغموض يكتنف الموضوع لمدة عقدين كاملين خصوصاً أن المنطقة اغلقت وحظرت على الاجانب لإجراء بحوث فيها تتعلق بالتكنولوجيا العسكرية السوفياتية.
واستمرت البعثات العلمية الروسية إلى تونغوسكا وكان ابرزها البعثة التي عمل فيها عالم الرياضيات الروسي من أصل الماني ويلهام فاست (Wilhelm Fast) في الستينيات.
وتمكن فاست وفريقه من رسم خرائط للمنطقة وللاشجار المنحنية على مساحة بلغت نحو 850 ميلاً مربعاً. وقد فاست قوة الانفجار بناء على هذه المعطيات بنحو 20 ميغاطن. ولكن مع انتهاء الحرب الباردة في العام 1989 تمكن العلماء الاجانب في النهاية من دراسة الموقع واستطاع عالم الفيزياء النووية الايطالي مينوتي غاللي (Menotti Galli) من جامعة بولونيا (Bologno) في العام 1990 الحصول على فرع قصير ذابل لشجرة ضخمة نمت في المنطقة قبل عقود.
ولاحظ غاللي وجود ترسبات غريبة على هذا الجذع، وعند تحليلها وجد انها تحتوي على مركبات كيميائية غير موجودة على الارض وبعضها غني بالمواد العضوية والحديد.
وعزا غاللي الانفجار الضخم إلى التحام بعض ذرات الهيدروجين بفعل الحرارة الكبيرة للنيزك وتحولها إلى ذرات هيليوم خاملة (وهو مبدأ الاندماج النووي).
وفي الوقت ذاته انهمك العلماء الاميركيون في إيجاد محاكاة كومبيوترية لما حدث في تونغوسكا مستخدمين قوانين الفيزياء المعروفة في إعادة توليد شهاب متفجر يستطيع ايجاد الادلة المعروفة، وحاولوا معرفة ما يحدث عندما يصطدم جرم فضائي صلب بالارض او يتحلل في الجو. ولم يجزم العلماء بما إذا كان لهذه المواد علاقة بالانفجار الذي وقع في تونغوسكا أم لا، وبالتالي لم يتسن لهم التأكيد من أي من هذه النظريات.
اللغز مجدداً
لكن المفاجأة الحديثة والمثيرة حول المسألة اعلنها في تموز (يوليو) من العام 2004 مدير متحف "نيزك تونغوسكا والاجسام الفضائية يوري على حطام مركبة فضائية لمخلوقات غير بشرية في الموقع الذي يعرف بموقع سقوط "نيزك تونغوسكا" في سيبيريا في العام 1908! وهذا اول اعلان للافبين في القرن مماثلة في العقد الماضي من القرن السابق، حيث عثر على حجر عملاق رنته 5 اطنان قرب مدينة كراسنويارسك، قال إن "أصوله تعود إلى مخلوقات من خارج الارض، إلا انه لم يحلل تركيبيه"، ثم عرض على العلماء في اب (أغسطس) 1998، وبعد ان نسي الناس اسمه، قضيبين معدنيين ثقيلين عثر عليهما في زمنين منفصلين قرب قرية فانورافا المجاورة. وكان احد القضيبين، الذي اكتشف على عمق 1.5 م تحت الارض، منصهراً داخل مادة جاءت من مذنب" أما القضيب الاخر فقد عثر عليه بجوار جردة حديد متناثرة بالقرب من سكة الحديد. حول صحة زعمه بان الجسم الساقط فوق تونغوسكا هو مركبة فضائية لمخلوقات من خارج الارض، يقول لافبين ان اغلب الباحثين لهذه الظاهرة يتجنبون الخوض في التأثير الجيولوجي المغناطيسي، أي التأثير القوي الذي وقع على طبقة الايونوسفير ، وهو ناجم عن الكارثة التي وقعت انذاك. وقد اكتشف هذا التأثير عام 1959 عندما قرر العلماء تدقيق ومقارنة تدقيق ومقارنة المسوح الزلزالية والمغناطيسية لبداية القرن العشرين وظهر مقارباً لتفجير القنابل الذرية. ولا تحدث هذه التغيرات الكبرى في اعتقاده إلا عند تفجر واسطة تكنولوجية عند ارتفاع يصل إلى 10 كلم ولدراسة الامر ارسلت في الستينيات بعثات استكشاف علمية لم يحالفها النجاح كما هي الحال مع بعثته كما يقول لافبين. يعتقد لافبين ان انفجار تونغوسكا نجم عن تحطم مركبة فضائية كانت قد انطلقت من الارض نحو الفضاء في ذلك اليوم الصيفي من عام 1908، في زمن لم تكن للإنسان فيه أي سفن فضائية. ويقول إن المركبة انطلقت ثم دارت حول نفسها وتوجهت نحو الشمال وانطلقت لضرب هدفها! الهدف كان مذنباً دخل اجواء الارض يوم 30 حزيران (يونيو) 1908 فوق فرنسا ثم حلقت نحو سيبيريا، وكان ذنبها كبيراً قدر العلماء رنته بـ 200 مليون طن ويقدرونه حالياً بمليار طن. وقد انقذت البشرية لان المذنب تفجر فوق سيبيريا على ارتفاع 8 كلم عن الارض. إذن هل ضحت المخلوقات غير البشرية بنفسها من اجل انقاذ الارض؟ يجيب لافبين بسؤال عن السؤال: لماذا هلكوا اذن؟ المركبة كانت تخضع إلى تحكم خارجي، ربما من مدار حول الارض. هل عثر لافبين على آثار هذا المذنب الذي هدد الارض؟ نعم، ربما على بعض صخور المذنب التي تناثرت على مناطق شاسعة. وتشير الصور الملتقطة من الفضاء إلى وجود 8 حفر مدمرة كبيرة وإلى موقع الانفجار. وقد عثر على كميات كبيرة من الايريديوم وهو معدن نادر الوجود على سطح الارض ومصدره في الاغلب من النيازك والكويكبات والمذنبات التي ترتطم بالارض.
لا يعرف احد حتى الآن لماذا يعتبر السكان المحليون موقع تونغاسكا موقعاً مشؤوماً ويعزز هذا الأمر أن العلماء أنفسهم لا ينفون وجود أشياء سيئة في الموقع، إذ قال بعضهم إن عقارب الساعة في إحدى المناطق القريبة تتباطأ، وهذه ظاهرة شاذة لتغير الزمن لم تدرس بعد! والشيء العجيب الآخر هو مشاهدة "أشباح" تتحرك بوضوح، إذ قال باحثون انهم شاهدوا أناساً عابرين في الموقع تبين لهم انهم غير موجودين، فهم يختفون حال الاقتراب منهم!
نقلاً عن موقع "مجلة علم وعالم"